أيها المسلم!
احذر الغفلة
ولا تكن من الغافلين
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 102)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} (الأحزاب: 70) لفظ النسائي (1404). {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 71).
أما بعد؛
فإن أصدقَ الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلي الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
إن الله سبحانه وتعالى خَلَق الخلْق، وبَعثَ إليهم النبيين والمرسلين، وأنزل معهم الكتبَ مبشرين للطائعين، ومنذرين للعصاة والمعاندين، ومذكِّرين للناسين والغافلين، وكان آخرَهم محمدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أرسله إلى الثقلين الإنس والجن، فذكَّر بعد نسيان، وأيقظ بعد غفلة، دون إكراهٍ أو إجبار، {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} (ق: 45). {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} (الغاشية: 21، 22).
فلماذا كفَرَ الكافرون، وأشركَ المشركون، ونافق المنافقون؟
لماذا تكبَّرَ المتكبِّرون، وعصى العُصاة، وعاندَ المعاندون؟
لماذا وقع القتلُ من القتلة، وسكِرَ السكارى، وزنى الزناة؟
لماذا خرج الخوارج، وابتدع المبتدعة، وشعوذ المشعوذون؟
ولماذا سبَّ السابُّون، وفَضح الفاضحون، ولعن اللاعنون؟
ولماذا نقض عهودَهم الناقضون، وكَذَبَ الكذّابون، وخان الخائنون؟؟!!
والجواب: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الزمر: 67).
فما ذاك إلاَّ عن غفلتهم عن عظمة الله العظيم، وقدرة الله القدير، ومُلكِ مالكِ يوم الدين، غفَلوا عن دين الله، وغفلوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغفلوا عن يوم الجزاء والحساب، يوم الثواب والعقاب.
فغفلةُ الكافرِ جعلته لا يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
وغفلةُ المشركِ جعلته يتخذُ لله شريكا وندًّا، وشبيها ومثيلا في العبودية، وفي الأسماء والصفات.
وغفلة المبتدع عن منهج الوحيين، جعلته يخترع عباداتٍ، ويلتزم بأعمال يتقرب بها إلى الله، بعيدةً عن شِرْعةِ الله، ومجانبةٍ لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطريق السلف الصالح؛ لأنَّ «الْبِدْعَة أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، الْمَعْصِيَةُ يُتَابُ مِنْهَا، وَالْبِدْعَةُ لا يُتَابُ مِنْهَا» مسند ابن الجعد (ص: 272، ح1809)قاله سُفْيَان.
وغفلة أهل الأحزاب ومن على شاكلتهم جعلتهم يتعصبون لأحزابهم، على حساب الدين فصاروا {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (المؤمنون: 53).
وغفلةُ عصاةِ المؤمنين جعلتهم يسوِّفون بالتوبة، وبإيمانهم برحمة الله نسوا محاسبته، وغفَلوا عن عقوبته، فارتكبوا المعاصي، وركبوا الذنوب والخطايا، وتقاعسوا عن أداء العبادات، وأهملوا فعلَ الطاعات. {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الأنعام: 102، 103)
إن المتكبرين في الأرض غافلون عن آيات الله سبحانه {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (الأعراف: 146).
وغالبُ الناس في غفلة عن آيات الله، {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} (يونس: 92).
والعمُرُ أيام معدودةٌ، وساعاتٌ محدودة، وعدمُ الاستفادة منها لدنيا أو أخرى خسارةٌ وغفلة، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: (مَكْتُوبٌ فِي حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ: حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لا يَغْفَلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ؛ سَاعَةٍ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهِ، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا مَعَ إِخْوَانِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ وَيَصْدُقُونَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّاتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيُحْمَدُ؛ فَإِنَّ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَوْنًا عَلَى تِلْكَ السَّاعَاتِ، وَإِجْمَامًا لِلْقُلُوبِ، وَحَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لا يُرَى ظَاعِنًا =أي مسافرا أو خارجا من بيته= إِلاَّ فِي ثَلاثٍ؛ زَادٍ لِمِيعَادٍ، أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَحَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِزَمَانِهِ، حَافِظًا لِلِسَانِهِ، مُقْبِلاً عَلَى شَأْنِهِ). محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (ص: 30، ح12)، شعب الإيمان (6/ 373، ح4352).
وقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: (وَيْحِي! كَيْفَ أَغْفَلُ عَنْ نَفْسِي، وَمَلَكُ الْمَوْتِ لَيْسَ يَغْفُلُ عَنِّي؟، وَيْحِي! كَيْفَ أَتَّكِلُ عَلَى طُولِ الأَمَلِ وَالأَجَلُ يَطْلُبُنِي؟) شعب الإيمان (13/ 254، ح10296).
قَالَ: الْفُضَيْلَ: (مَنْ عَرَفَ اللَّهَ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ فَهُوَ بَعِيدٌ مِنَ الضَّلالَةِ، وَمَنْ عَرَفَ الإِخْلاصَ فَهُوَ بَعِيدٌ عَنِ الرِّيَاءِ، وَمَنْ أَنْزَلَ الْمَوْتَ حَقَّ الْمَنْزِلَةِ، فَلا يَغْفُلُ عَنِ الْمَوْتِ). معجم ابن الأعرابي (2/ 824، 1649).
وعن مُحَمَّد بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْبَلْخِيَّ قال: (مَا أَقْبَحَ الْغَفْلَةَ عَنْ ذِكْرِ مَنْ لا يَغْفَلُ عَنْ بِرِّكَ). شعب الإيمان (2/ 183، ح701).
قال الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ:
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا ... فَلا تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً ... وَلا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ
غَفَلْنَا الْعُمُرَ وَاللهِ حَتَّى تَدَارَكَتْ ... عَلَيْنَا ذُنُوبٌ بَعْدَهُنَّ ذُنُوبُ
فَيَا لَيْتَ أَنَّ اللهَ يَغْفِرُ مَا مَضَى ... وَيَأْذَنُ فِي تَوْبَاتِنَا فَنَتُوبُ
شعب الإيمان (9/ 417، ح6909)
لقد أخذ الله عز وجل العهدَ بربوبيته على بني آدم، وأشهدهم على ذلك في الأزل، حتى لا يدَّعوا الغفلةَ وعدمَ العلمِ والدراية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}. (الأعراف: 172، 173)
إن أصحابَ القلوبِ عديمةِ الفقهِ وسيئةِ الفهم، وأصحابَ الأعينِ العمياء، والآذانِ الصماء، هم الغافلون عمَّا ينفعهم في دنياهم وأخراهم، {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف: 179).
ألا واعلموا أنَّ أكثرَ الناسِ غفلةً عن آيات الله هم الذي ركنوا إلى الدنيا، ومالوا إلى حطامها، فلا يفكِّرون في آخرة، ولا يعتقدون أنَّ هناك جنةً ولا نارا، {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (يونس: 7، Cool. والسببُ؛ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ* أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ* لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (النحل: 107، 108).
هكذا هم الغافلون {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (الروم: 7) والكثرة هي للباطل في الغالب، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} (البقرة: 243). {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (الأعراف: 187) {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} (هود: 17). {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يوسف: 103) {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا} (الإسراء: 89) {وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران: 110) {وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} (المائدة: 103) {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} (الأنعام: 111) {وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف: 17) {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف: 106) {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} (النحل: 83) {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (المؤمنون: 70) {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} (الشعراء: 223) {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} (فصلت: 4) {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} (الحجرات: 4).
هذا حالُ أكثرِ الناس، وسببُ ذلك الغفلةُ عن الله وعن دين الله.
وهناك أصنامٌ تُعبَد، وأوثانٌ وطواغيتُ تقدَّس، وهي غافلةٌ عن عبادة عابديها، وسَتُعاديهم وتحاجُّهم أمام الله يوم القيامة، وتُبيِّن ضلالَهم، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ* وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (الأحقاف: 5، 6)، {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا* كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} (مريم: 81، 82)
سيحشر المشركون الغافلون عن عبادة الله وتوحيده، مع من عبدوهم الذين هم أيضا في غفلة عن عبادة عابديهم، {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ* فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} (يونس: 28، 29)
فأما المنافقون فلا يشعرون بإفسادهم وفسادهم {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} (البقرة: 11، 12).
وهناك غفلة المؤمنين عمَّا يُحاكُ ضدَّهم، وتُنتهَك أعراضُهم وهم لا يدرون، والله سبحانه سينتقم ممن استغفلهم واعتدى عليهم، {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النور: 23)، وقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، وذكر منها «... وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ» البخاري (2766)، صحيح مسلم (89) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وأوَّلُ هؤلاء المؤمنات الغافلات الصديقة بنت الصديق المبرَّأة من فوق سبع سموات، قال حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ *** وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ
البخاري (4146)، ومسلم (2488). [أَي أَنَّهَا لا تذكر أحدا بِسوء، وَلا تغتابه) مشارق الأنوار على صحاح الآثار (2/ 130)]. قَالَتْ عَائِشَةُ: (رُمِيتُ بِمَا رُمِيتُ بِهِ وَأَنَا غَافِلَةٌ..) مسند أحمد (41/ 245، ح24720).
والمؤمن يظنُّ الناسَ مثلَه؛ في الأمانة والصدق والأخلاق الحسنة، فقد تقع منه غِرَّةٌ أو غفلة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ». سنن أبي داود (4790)، والترمذي (1964)، عن أَبِي هُرَيْرَةَ. الصحيحة (935).
قال الطحاوي: [الْغِرُّ فِي كَلامِ الْعَرَبِ؛ هُوَ الَّذِي لا غَائِلَةَ مَعَهُ، وَلا بَاطِنَ لَهُ يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ, وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلُهُ أَمِنَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَهِيَ صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ..]. شرح مشكل الآثار (8/ 152).
إن أعداء الإسلام والمسلمين يتفنَّنُون في إلهائهم عن دينهم، وإشغالهم عما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، فرغبةُ الكفارِ والمشركين في غفلةِ المسلمين عن دينهم، وعن جهادهم الحقيقي، وعن أسلحتم وعتادهم؛ رغبتُهم في ذلك لا تتوقفُ ولا تنتهي، وما ذاك إلا لاجتياحِ الديار، واغتصابِ الممتلكات، والسيطرةِ على المقدرات في حال غفلتهم، {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} (النساء: 102).
{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (البقرة: 109، 110).
هم يَوَدُّونَكم كفَّارًا، غافلين عن دينكم، وأنتم لا تطيعوهم؛ بل قابلوهم بالعفو والصفح، وانشغلوا بالصلاة والعبادة. {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} (النساء: 89).
مفاجآتُ الغافلين عن الله ودينه وشرعه بمفارقة الدنيا إلى الآخرة {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} (مريم: 39).
ومفاجأة الغافلين باقتراب الحساب وهم في لهو ولعب واستهزاء، {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ* مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ* لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} (الأنبياء: 1 – 3).
ومفاجأة الغافلين بيأجوج ومأجوج واعترافهم بذلك، {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ* وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} (الأنبياء: 96، 97).
ومفاجأة العافلين بالنفخ في الصور وأهوال وشدائد يوم القيامة، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ* وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ* لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ* وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ* أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ* الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ* قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} (ق: 20- 27).
فيقطع الله جلَّ جلاله الخصام بينهم، {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} (ق: 28- 31).
أيها الغافلون! ارجعوا عن غفلتكم، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: 31).
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}(الزمر: 53– 55)
إنهم كانوا في غفلةٍ فتيقظوا منها يوم القيامة؛ بعد فواتِ الأوان، ويبدؤون في الاعتذارات المختلفة، والاعترافات والندم وَلاتَ حين مَنْدَم، {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ* أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (الزمر: 56– 58).
فيأتي الردُّ من الملك الجبار سبحانه: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (الزمر: 59- 62)
فيا عباد الله! يا من غَفَلتم في هذه الدنيا عن الطاعات، ووقعتم في المعاصي والمحرمات، لا تقنطوا من رحمة الله، {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: 87).
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب. فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد؛ فاستيقظ يا عبد الله! ولا تغفُلْ عن دين الله، ولا عن عبادته، ولا تنسَ ذكرَ الله؛ سرًّا وعلانية، ليلا ونهارا، {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ * إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} (الأعراف: 104- 206).
واحذر يا عبد الله! من الغفلة بتأخير صلاة العشاء إلى منتصف الليل، كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ؛ (.. وَأَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ، مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ؛ فَإِنْ أَخَّرْتَ فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، وَلاَ تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ). (موطأ مالك ت الأعظمي (2/ 11، ح11) صحح إسناده الألباني في الثمر المستطاب (ص: 66).
ورواه الطحاوي وقال: [.. فَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ تَرْكَهُ إِيَّاهَا إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ, إِغْفَالٌ لَهَا,..]. شرح معاني الآثار (1/ 159، ح957).
عبد الله! إن أردْتَ أن تتخلص من الغفْلة، إنْ رغبت ألاّ تتصف بصفات الغافلين؛ فعليك بالصلاة وذكرِ الله، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ =أي صلى في الليل= بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِينَ». سنن أبي داود (1398)، صحيح الجامع (2189). [أَيْ أُعْطِي قِنْطارا مِنَ الأَجْرِ]. النهاية (4/ 113).
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ مِائَةَ آيَّةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، أَوْ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ» صحيح ابن خزيمة (2/ 180، ح1142) انظر الصحيحة (643)، (657).
وإن أدركتْكَ غفلةٌ عن عبادةٍ في مكانٍ مَّا؛ فعليك بتغييرِه والتحوُّلِ عنه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: (عَرَّسَ بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ خَيْبَرَ، =التعريس: [نُزُولُ الْقَوْمِ فِي سَفَرٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، يَقَعُونَ وَقْعَةً ثُمَّ يرتحلون] مقاييس اللغة (4/ 263)= فَقَالَ: "مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْنَا صَلاتَنَا؟" فَقَالَ بِلالٌ: (أَنَا) فَنَامُوا، فَمَا اسْتَيْقَظُوا إِلاَّ بِالشَّمْسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحَوَّلُوا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ" ثُمَّ قَالَ: "يَا بِلالُ أَنِمْتَ؟!" قَالَ: (أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِأَنْفُسِكُمْ)، ثُمَّ أَمَرَ بِلالاً فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ وَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا" ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (طه: 14)". شرح مشكل الآثار (10/ 154، ح3988) وهذا لفظه، ورمز له في صحيح الجامع (2926): (د هق).
ومن فاتته عبادةٌ في حال نسيانٍ أو غفلة، فلا بد من أدائها عند تذكُّرها، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يَرْقُدُ عَنِ الصَّلاةِ أَوْ يَغْفُلُ عَنْهَا قَالَ: «كَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا» سنن النسائي (614) وابن ماجه (695).
إنَّ ترْكَ صلاة الجمعة غفلةٌ عن ذكر الله؛ وأيُّ غفلة! فهاهو رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ =أي تركِهِم= الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، =ومعنى الختمِ؛ الطبعُ والتغطيةُ= ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» مسلم (865).
وفي عبادةِ الصيام تقعُ غفلةٌ عن مواسمِ الخيراتِ والحسنات، قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» سنن النسائي (2357).
فلا تغفل يا عبد الله! عن هذا الشهر والصوم فيه.
وكثيرٌ من الناس من يغفُل عن آدابٍ شرعيَّة، وأخلاقٍ إسلاميَّة، ومن ذلك التواضع لخلق الله، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، قَالَتْ: (يَغْفُلُونَ عَنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ؛ التَّوَاضُعِ). وَفِي رِوَايَةِ حَفْصٍ: (إِنَّكُمْ لَتَدَعُونَ أَفْضَلَ الْعِبَادَةِ؛ التَّوَاضُعَ). شعب الإيمان (10/ 460، ح7798).
وفي الختام؛ {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد: 16).
[روى الواحديُّ في كتاب (قتلى القرآن) بإسناد له: أنَّ رجلاً من أشرافِ أهلِ البصرةِ كانَ منحدرًا إليها في سفينة، ومعه جاريةٌ له، فشرِبَ يومًا وغنَّتْهُ جاريتُه بعودٍ لها، وكان معهم في السفينة فقيرٌ صالحٌ، فقال له: (يا فتى! تحسنُ مثلَ هذا؟) قال =الفقير=: (أُحسٍنُ ما هو أَحسَنَ منه!) وكان الفقيرُ حسَنَ الصوتِ، فاستفتح =أي استعاذ بالله من الشيطان=، وقرأ: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً، أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} (النساء: 77, 78).
فرمى الرجلُ ما بيدِه من الشرابِ في الماء، وقال: (أشهدُ أنَّ هذا أحسنُ مما سمعت! فهل غير هذا؟!) قال: (نعم!) فتلا عليه: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} (الكهف: 29) الآية.
فوقعت في قلبه موقعًا، ورمى بالشرابِ في الماء، وكسَرَ العودَ، ثم قال: (يا فتى! هل ههنا فَرَجٌ؟!) قال: (نعم! {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53) الآية. فصاح صيحةً عظيمةً، فنظروا إليه؛ فإذا هو قد ماتَ رحمه الله] لطائف المعارف لابن رجب (ص: 342).
فلا تكونوا إخواني -في دين الله- من الغافلين، و«ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ». سنن الترمذي (3479) صحيح الجامع (245). الصحيحة (594).
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عَلَى نبينا محمد، وعَلى آله وَصَحبه الطيبين الطاهرين، خُصُوصا على الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدين؛ أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعليّ؛ وعَلى التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان إلى يَوْم الدّين.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمهَا، وخيرَ أعمارِنا أواخرَها، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ لِقَائِكَ.
اللَّهُمَّ أَيدنَا بِنَصْرِكَ، وَارْزُقْنَا مِنْ فَضْلِكَ، وَنَجِّنَا مِنْ عَذَابِكَ.
«اللَّهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ، وَالْقَسْوَةِ وَالْغَفْلَةِ، وَالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْكُفْرِ، وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ، وَالسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الصَّمَمِ وَالْبَكَمِ، وَالْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَالْجُذَامِ، وَسَيِّيءِ الأَسْقَامِ». صحيح ابن حبان (3/ 300، ح1023)، صحيح الجامع (1285).
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (العنكبوت: 45)