بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد
قال تعالى:
{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ (7) } آل عمران
[جاء في كتاب التفسير الميسرلعدد من أساتذة التفسير تحت إشراف الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي
هو وحده الذي أنزل عليك القرآن: منه آيات واضحات الدلالة، هن أصل الكتاب الذي يُرجع إليه عند الاشتباه، ويُرَدُّ ما خالفه إليه، ومنه آيات أخر متشابهات تحتمل بعض المعاني، لا يتعيَّن المراد منها إلا بضمها إلى المحكم، فأصحاب القلوب المريضة الزائغة، لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات وحدها; ليثيروا الشبهات عند الناس، كي يضلوهم، ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة. ولا يعلم حقيقة معاني هذه الآيات إلا الله. والمتمكنون في العلم يقولون: آمنا بهذا القرآن، كله قد جاءنا من عند ربنا على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويردُّون متشابهه إلى محكمه، وإنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها الصحيح أولو العقول السليمة.
و في محاضرة: الخميس 1 من ربيع الثاني 1433هـ الموافق 23-2-2012م للشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله تعالى- قال:
القرآن من علومه المحكم والمتشابه فالقرآن أخبر الله أنَّه كله محكم (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) فكله محكم، وأخبر الله أنَّه كله متشابه (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً) كله متشابه، وأخبر أن منه محكم ومنه متشابه (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)،إذاً ما معنى أن كله محكم وأن كله متشابه وأن بعضه محكم وبعضه متشابه؟ أما أنه كله محكم بمعنى أنه متقن في لفظه ومعناه لا أحد يدرك عليه خطئاً أو نقصاً أبداً متقن تمام الإتقان، وأما أنه كله متشابه فمعناه أن يشبه بعضه بعضاً في الحُسن واللذة والبلاغة يشبه بعضه بعضاً كله كذلك، ومعنى أن بعضه محكم وبعضه متشابه فيراد بالمحكم هو الواضح المعنى الذي لا يحتاج في تفسيره إلى شيء أخر واضح معناه من لفظه، لكل من يقرؤه ويحضر قلبه واضح، فمثلا الصلاة، الزكاة، الحج، صلة الأرحام، البر بالوالدين إلى غير ذلك هذا واضح، ما يحتاج أنك تسأل عنه من ناحية المعنى والظهور، أما من ناحية التفصيل والأحكام الشرعية هذا شيء آخر، لكن من ناحية المعنى الظاهر من حين تقرأ الآية تعرف معناها، تعرف لفظ الكافر ولفظ المشرك ولفظ المنافق، تعرف لفظ المؤمن ولفظ المسلم تعرف هذا ما يحتاج إلى أن يفسره لك، الربا الزنا الميسر المحرمات الميتة الخمر كلها واضح تمام الوضوح، هذا المحكم الذي يتضح معناه من لفظه ولا يحتاج إلى بحث، والمتشابه من القرآن هو الذي لا يظهر معناه من لفظه بل لابد أن ترجعه إلى ما يفسره من الأدلة الأخرى، يحتاج إلى غيره إلى ما يفسره ويوضحه هذا هو المتشابه، فمثلا المجملات من الألفاظ ما يأخذ من إجمالها بل لابد من يفسرها مثلا العام من النصوص لابد أن يأتي ما يخصصهن، كذلك الناسخ والمنسوخ هناك ناسخ ومنسوخ هناك آيات بقي لفظها يتلى لكن حكمها منسوخ، فلابد تعرف الناسخ ما هو ولا تأخذها على ظاهرها فتعمل بالمنسوخ المنتهي العمل به، فالمتشابه يحتاج إلى أن ترده إلى المحكم من النصوص من الآيات والأحاديث التي توضحه تبين مجمله، تخصص مطلقه، تخصص عمومه ومطلقه، تبين ناسخه ومنسوخه لابد من هذا، هذا هو المتشابه.
أهل الزيغ والضلال يأخذون المتشابه ويتركون المحكم، يأخذون المتشابه من اللفظ يأخذون العمومات يأخذون المطلقات يأخذون المنسوخ ويقولون هذا القرآن نحن نعمل بالقرآن يضلون بهذا، لأن الله أمر أن يرد المتشابه إلى المحكم فلا يجوز أخذ المتشابه دون رده إلى النصوص المحكمة التي تبينه وتفسره، أهل الضلالة أخذوا بالمتشابه ولم يردوه إلى المحكم مثل الخوارج أخذوا نصوص الوعيد طبقوها على العصاة من أهل السنة والجماعة من المسلمين وكفروا المسلمين بها،ولم يردها إلى الآيات والأحاديث التي تبينها وتقيدها مثل قوله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فهم مثلا أخذوا (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) فقالوا العاصي هذا خارج من الدين وهو مخلد في النار ولم يرجعوا إلى قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) ضلوا بهذا الطريق وزاغوا ولهذا سماهم الله أهل الزيغ (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) والزيغ: هو الانحراف عن الحق (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) يأخذون النصوص المتشابه ويستدلون بها على مذهبهم مثل ما فعل الخوارج والمعتزلة والقدرية ومن سار على نهجهم فضلوا وأضلوا وزاغوا والعياذ بالله، لأنهم لم يأخذوا العلم من مصادره، يحتجون بالمتشابه من القرآن كما يقول الإمام أحمد رحمه الله: يرجون بالمتشابه من القرآن، ويتركون المحكم الذي يقيده ويفسره ويوضحهن فكل من سار على هذا فهو زائغ، سواً قصد الزيغ هو والتلبس على الناس، أو أنه جاهل متعالم ما درس الأصول أصول التفسير وأصول الفقه والقواعد التي يسير عليها العلماء.